سي نيوز

الأخبار أينما كنت

أخبار

هدَّده الملك بالنفي والحرمان من الجنسية.. شاهد التجسيد الأوليّ الذي ابتدعه يوسف وهبي لشخص النبي “محمد” استعدادًا لتقديمه في فرنسا

لطالما كان الأنبياء والرسل- عليهم جميعًا السلام- محل تقديس كبير من الجمهور العربي الذي يثور إذا نُشر أي تلميح إعلامي بتجسيد أحدهم في عمل درامي أو سينمائي، وخاصة في العقود الماضية حيث كان ظهور نبي أو رسول في عمل فني بمثابة خروج غير مسموح به على الإطلاق وثورة على الأعراف والتقاليد الدينية، وقد كان الفنان الراحل يوسف بك وهبي أول من خاض هذه المعركة مع الجمهور المصري حينما قرر تجسيد شخصية الرسول “محمد” عليه الصلاة والسلام في رواية مسرحية.

وقد نشرت مجلة المسرح مقالًا بتاريخ 26 مايو عام 1926 خبرا بعنوان “يوسف وهبي يجسد النبي” يقول نصّه: أظن أن القراء عرفوا من العدد الماضي أن شركة سينماتوغرافية حضرت إلى مصر، وأنها تحاول أن تتفق مع بعض الفرق المصرية لتمثل لها بعض الروايات. واليوم نقدم للقراء البيان التالي: اتفق مدير إدارة الفرقة وداد عرفي بك مع نجيب أفندي الريحاني على أن يمثل له حلقة من حياة جحا.

واتفق مع يوسف وهبي على أن ينتقل مع بعض أفراد فرقته إلى باريس حيث يمثل للشركة رواية “النبي محمد”.

ويكمل المقال: يشترك نجيب أفندي الريحاني في تمثيل هذه الرواية فيقوم بتمثيل دور “معاذ”، وقد أخذ يوسف وهبي يستعد لإخراج دوره وصنع لنفسه صورًا فوتوغرافية للشكل الذي ابتدعه لسيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، وهي صورة لا تختلف عن صورة راسبوتين التي صنعها يوسف، في كثير أو قليل.

وهنا ظن القارئ أنه في عُرف يوسف وهبي، يكون نبينا محمد رسول الله، وحامل علم الدين الإسلامي، وناشر كلمته، يشبه تمامًا راسبوتين الجاسوس الدنيء والدجال زير النساء”..

حينئذ ثارت الدنيا في مصر وأرسل الأزهر الشريف خطابًا لوزارة الداخلية في اليوم التالي يطالب بفتح تحقيق في الأمر وتبيان حقيقته، ومنع يوسف وهبي من القيام بالدور حتى لو اقتضى الأمر منعه من السفر من مصر.

ودخلت جريدة “الأهرام” أيضًا على خط الأزمة، وكتب الصحافي عبد الباقي سرور مقالًا بعنوان “كيف يصورون النبي محمدًا” يمتلئ بالتحريض على شخص يوسف وهبي لدرجة دعوة الحكومة لمنعه من السفر لتصوير الفيلم.

وأمام هذا الهجوم الكاسح، أرسل يوسف وهبي رداً على المقال في اليوم التالي، كان أهم ما فيه: “إننى إذا كنت قد رضيت أن ألعب هذا الدور فليس إلا لرفعة شأن النبي محمد صلى الله عليه وسلم وتصويره أمام العالم الغربي بشكله اللائق به وحقيقته النبيلة، وليس الغرض من هذا الفيلم سوى الدعوة والإرشاد للدين الإسلامي، وليثق سيدي الغيور أنني أول من يعمل على رفعة شأن ديننا الحنيف”.

ولكن الحملة استمرت خاصةً على صورة “راسبوتين”، فنشر يوسف وهبي خطابًا في الأهرام: سادتي.. أتقدم إليكم بصفتي ممثلاً طالبًا النصيحة والإرشاد أن تدلوني على السبيل القويم الذي يجدر بي أن أسلكه.. منذ شهر أرسل لي الأستاذ وداد عرفي الكاتب التركي المعروف الذي هبط أرض مصر ومندوب شركة ماركوس السينماتوغرافية وطلب مني مقابلته حيث رغب مني الأستاذ وداد بك أن أهديه بعض صوري الفوتوغرافية ففعلت وسافر إلى باريس وبعد ذلك وصل إلى القاهرة جناب الدكتور ماركوس رئيس الشركة وطلب مقابلتي وقال لي بأن الشركة قد وقع اختيارها عليك لتمثيل دور البطولة وعرض عليّ شروطه وبعد مناقشته قبلتها، وبادرني قائلاً: سنبدأ بعمل تاريخ سيدنا محمد (ص) وسألته عما يعني فأجابني نريد أن نصور هذا الرجل العظيم، وإذا رفضت القيام بهذا الدور فيلعبه أجنبي غيرك لا يعلم عن الدين الإسلامي حرفاً”..

وهنا تدخل الملك فؤاد- ملك مصر والسودان- آنذاك، والذي كان يسعى للحصول على لقب خلافة المسلمين بعد سقوطها في إسطنبول، ذلك المشروع الذي لم يكتمل، فدخل على خط الدفاع عن النبي ليكسب ودّ مشايخ الأزهر للحصول على دعمهم في الأمر. وعن ذلك قال يوسف وهبي في مذكراته: “بعث إليَّ الملك فؤاد تحذيرًا قاسيًا، مهددًا إياي بالنفي، وحرماني من الجنسية المصرية”.

وكانت النتيجة من بيان يوسف بك وهبي: “بناء على قرار أصحاب الفضيلة العلماء، واحترامًا لرأيهم السديد، أعلن أنني عدلت عن تمثيل الدور وسأخطر الشركة بعزمي هذا”، وفي مذكراته قال يوسف وهبي إن الشركة أنتجت الفيلم بتمويل من حكومة تركيا برئاسة مصطفى كمال أتاتورك وكان بعنوان “محمد رسول الله” وقام بالدور ممثل يهودي، ولكن واقع الأمر أننا لا نعلم شيئًا عن ذلك الفيلم.

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *