سي نيوز

الأخبار أينما كنت

أخبار

ما الذي يجعل الوصول إلى التغذية السليمة صعبا في مصر؟

أصبح الأمن الغذائي أكثر أهمية من أي وقت مضى في ضوء مشاهد التخزين الجماعي للطعام واضطرابات سلاسل التوريد التي نجمت عن جائحة “كوفيد-19″، لكن مصر تواجه تحديات فيما يتعلق بالأمن الغذائي تسبق فترة تفشي الجائحة، وفق تقرير منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة “فاو” (بي دي إف) الذي يرصد حالة الأمن الغذائي والتغذية في الدول العربية. نلقي اليوم الضوء على عوامل الضغط التي ترهق نظامنا الغذائي، ومن بينها ندرة المياه والأراضي والاعتماد على الواردات الغذائية والتضخم السكاني والتغيرات غير الصحية في الأنظمة الغذائية التي تهدد نظامنا الغذائي، وفقا للفاو.

يتلخص الأمن الغذائي في عاملين أساسيين: الجودة والإمدادات. تعرّف الفاو الأمن الغذائي بأنه الحصول المنتظم على ما يكفي من الأطعمة الغنية بالعناصر الغذائية اللازمة للنمو الطبيعي والحياة الصحية. تقييم الأمن الغذائي يعني تتبع مدى توافر وسهولة الوصول للأطعمة المليئة بالعناصر الغذائية، إلى جانب استقرار النظام الغذائي في البلاد، حسبما أشارت دراسة أجريت عام 2020. يواجه نظامنا الغذائي تهديدات من ضغوط طويلة الأجل مثل التضخم السكاني وصدمات مثل حدوث فيضانات كبيرة أو تفشي الأمراض، كما تشير الفاو في تقريرها.

أنظمتنا الغذائية غنية بالسعرات الحرارية، لكنها تفتقر إلى العناصر الغذائية، لذلك فهي ليست آمنة حقا إلى حد كبير. تعتبر منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، سوء التغذية مشكلة خطيرة تواجه مصر. وفي حين يكون النظام الغذائي الكافي للطاقة في متناول الجميع، فإن 45.4% من المصريين لا يستطيعون تحمل تكلفة نظام غذائي كاف، و84.8% لا يستطيعون تحمل تكلفة نظام غذائي صحي، وفق تقديرات المنظمة، والتي تشير أيضا إلى أن هذا الأمر، يؤدي إلى مشاكل صحية مثل السمنة وسوء التغذية وفقر الدم – والتكاليف الباهظة المرتبطة بذلك.

مثل الكثير من دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.. لا تمتلك مصر سجلا جيدا عندما يتعلق الأمر باستدامة النظام الغذائي بشكل عام: تسجل دراسة الفاو البلدان على أساس استدامة الغذاء من الصفر إلى 1، إذ يشير الصفر إلى التصنيف الأدنى والـ 1 هو الأعلى. وحصلت مصر على 0.32 مقارنة بـ 0.38 لتونس والمملكة العربية السعودية و0.52 للإمارات و0.70 للولايات المتحدة. وترتبط مقاييس التقييم الاستهلاك والطلب (أشياء مثل دخل المستهلك والتركيبة السكانية والتحضر) والإنتاج والعرض (التي تتأثر بالعوامل الزراعية وتغير المناخ) والتجارة.

يعد إنتاجنا الغذائي هشا بطبيعته بفضل عوامل الإجهاد مثل ندرة الأراضي الزراعية: بلغت الأراضي الصالحة للزراعة في مصر 2.9% في عام 2018، أي أقل من متوسط منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا البالغ 4.6%، وفقا لبيانات البنك الدولي. وأشار تقرير للوكالة الدولية للطاقة الذرية في عام 2018 إلى أن إنتاجية التربة في معظم مناطق شمال شرق دلتا النيل انخفضت بأكثر من 45% خلال 35 عاما – ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى ممارسات الزراعة غير المستدامة.

وندرة المياه: يوفر النيل لمصر ما يقدر بنحو 96% من إجمالي مواردها المائية المتجددة، ويوجه نحو 79% منها إلى الزراعة – على الأقل جزئيا بسبب كثرة المحاصيل والاستخدام غير الكفء للمياه، حسبما وجدت دراسة أكاديمية في عام 2019 (بي دي إف). وأضافت أنه بحلول عام 2025، من المتوقع أن تنخفض إنتاجية الحبوب بنسبة 11% مقارنة بعام 1995، وذلك بسبب ندرة مياه الري. وسيؤدي استمرار تغير المناخ والنمو السكاني وتأثير سد النهضة الإثيوبي إلى تفاقم هذه التحديات.

اعتمادنا على استيراد السلع الغذائية الأساسية يعني أن أي تعطل في التدفقات العالمية يهدد أمننا الغذائي، حسبما تؤكد الفاو. ويشير التقرير إلى أن مصر هي أكبر مستورد للقمح في العالم، الذي نعتمد عليه لتوفير ثلث السعرات الحرارية و45% من البروتين الذي نستهلكه. وتصاعدت أسعار القمح العالمية هذا العام إلى أعلى مستوياتها خلال 10 سنوات، وذلك على خلفية عدة عوامل منها سوء الأحوال الجوية وارتفاع أسعار الأسمدة ورسوم التصدير التي تضغط على الإمدادات. ونظرا لأن المناقصات الدولية تقدم أكثر الأسعار ارتفاعا في ما لا يقل عن خمس سنوات، تستعد الحكومة للبدء في خفض دعم الخبز لتخفيف التأثير على الموازنة العامة للدولة.

ارتفاع أسعار المواد الغذائية = ارتفاع معدلات التضخم في مصر: كانت أسعار المواد الغذائية هي الدافع للتضخم طوال العام الجاري، كما هو الحال في العديد من الأسواق العالمية. وارتفع معدل التضخم السنوي العام إلى 6.6% في سبتمبر، وهو أعلى مستوى له في 20 شهرا، فيما ارتفعت أسعار المواد الغذائية والمشروبات بنسبة 13.1%، مدفوعة بشكل أساسي بأسعار الخضروات التي قفزت بنسبة 38.1%. ورغم تراجع التضخم في أكتوبر، فمن المتوقع أن تؤدي الزيادة في أسعار الأسمدة بنسبة 50% إلى زيادة في أسعار المواد الغذائية في المستقبل.

العديد من المكونات الحيوية لنظام غذائي صحي قد يتم إرسالها إلى الخارج، وفقا لما قالته الفاو. وأضافت: “غالبا ما تصدر البلدان التي تواجه تحديات تتعلق بالأمن الغذائي والتغذية المكونات الرئيسية لنظام غذائي صحي (كالفواكه والخضروات والأسماك) وتستورد الحبوب المكررة والدهون والسكر، وهي المكونات الأساسية للأنظمة الغذائية غير الصحية”. وأعلن المجلس التصديري للصناعات الغذائية هذا العام أن المواد الغذائية مثلت 13% من صادرات مصر غير النفطية خلال عام 2020 – مما يجعلها ثالث أكبر صادرات مصر غير النفطية. وتشمل الصادرات الغذائية الرئيسية البطاطس والفاكهة الطازجة، خاصة الحمضيات.

كما أن المستويات المرتفعة من هدر الطعام تعني أن الكثير مما هو متاح لا يؤكل: كان من المتوقع أن تصل مستويات هدر الفاكهة والخضروات في مصر إلى 45-55% من الإنتاج سنويا، كما هو موضح في مخطط مشروع الفاو لعام 2015. وعلى مستوى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يتم هدر الطعام بانتظام من قبل كل من المطاعم والأسر، مما يجعله أكبر مكون منفرد في مكب النفايات، وفقا لتقرير الفاو.

الفاو تشيد بنظام البطاقات التموينية لدوره في الحد من هدر الطعام: تشير الفاو إلى أن مصر من بين الدول التي تكثف جهودها للحد من هدر الطعام. وأضافت أن نظام البطاقات التموينية في مصر يغطي حوالي 80% من السكان ويحد من الحد الأقصى لمقدار الخبز المدعوم الذي يمكن لكل فرد من أفراد الأسرة شراؤه، مما أدى إلى “انخفاض كبير” في الأرغفة التي يجري التخلص منها.

التحضر يؤدي إلى زيادة الطلب على أغذية أقل صحة: فعلى مستوى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، هناك صلة وثيقة بين زيادة التحضر والتحول بعيدا عن النظم الغذائية الموسمية الغنية بالحبوب الكاملة والفواكه والخضروات، والاتجاه نحو الأنظمة الغذائية الغنية بالحبوب المكررة والدهون والسكر، و- إذ سمح الدخل – اللحوم، بحسب تقرير الفاو. وبلغ معدل النمو الحضري السنوي في مصر 2% في عام 2020، وفقا لبيانات البنك الدولي. ويعني هذا أن المدن المصرية يجب أن تستوعب ما يقرب من مليون مواطن جديد كل عام، مع التوقعات بأن يتجاوز حجم سكان الحضر سكان الريف بحلول عام 2041، وفقا لموقع أوربانت الإخباري المدعوم من الوكالة الألمانية للتعاون الدولي.

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *